
تكريم الماضي والاحتفاء بالمستقبل معاً بقلم ماريك شريدان
بينما أنا جالسٌ أدون هذه القصة، إذ بي أجد فسحةً من الوقت لكي أتأمل كيف وصلتُ إلى منصب الرئيس والمدير التنفيذي لواحدةٍ من أكبر الشركات في البحرين. وهي شركةٌ يعمل بها أكثر من 2000 موظفٍ في شتى أرجاء الشرق الأوسط وأفريقيا، وتتمتع بقدرٍ هائلٍ من التنوُّع، وانتقلتْ من إنجازٍ إلى إنجازٍ مع التزامها دائماً وأبداً بقيمها الأساسية المشمولة في ثقافة "Winning Hearts". في الواقع، إنه لأمرٌ يدعو إلى التواضع أن أؤتمن على هذه المسؤولية التي أتحملها بكل حماسٍ للمستقبل واحترامٍ للماضي في آنٍ واحدٍ.
لقد انضممت للعمل بمجموعة بي أم أم آي منذ أبريل العام المنصرم. وقبلها شغلتُ لما يربو على 20 عاماً مناصب عديدةً في شركاتٍ مختلفةٍ في أرجاء الخليج. ولكن، لا يعلم كثيرٌ منكم أنني في واقع الأمر بدأت مشواري المهني في غرفة البريد لوكالة دعايةٍ وإعلانٍ تُدعى "دورلاند" في أواخر الثمانينيات. نعم، هذا صحيح. كنت الفتى المسؤول عن تسليم البريد، حيث لم يكن البريد الإلكتروني شائع الاستخدام فعلاً في تلك الأيام، ولا الهواتف المحمولة، بل إنَّ "ماكينة الفاكس" كانت تمثل آنذاك ذروة التكنولوجيا الحديثة! ولأنَّ خيارات التواصل كانت محدودةً نوعاً ما بالمقارنة بوضعنا الحالي، أدت غرفة البريد في الشركات الكبرى دوراً محورياً في سلسلة الاتصالات. فقد كنا نستلم البريد الوارد ونقوم بتوزيعه، وشاع تداول المذكرات الداخلية. وخلاصة القول إننا كنا نجوب البناية عدواً وكأننا شبكة اتصالاتٍ داخليةٍ بشريةٍ. كان الأمر ممتعاً جداً، وكان بالنسبة لي أفضل من الجامعة آنذاك، فلقد كانت تلك الفترة قاعدةً أساسيةً عظيمةً للتعلم بالنسبة لي.
وسرعان ما بدأت أفهم كيفية إدارة عمليات الشركة من وجهة نظرٍ بدائية جداً. ولطالما كنت تواقاً للتعلم وميالاً لطرح الأسئلة. وكان فضولي الطبيعي هذا لمزيد من المعرفة وفهم "العلل" هما ما ساق الكثير من حواراتي الأولى مع مدرائي، والتي شكلت فيما بعد المراحل الأولى لمشواري المهني. وبينما أسترجع الماضي الآن وأفكر في العديد من الوظائف التي شغلتها وارتقائي من غرفة البريد إلى غرفة المدير التنفيذي، أحاول أن أجد الفكرة المشتركة التي أحدثت فارقاً حقيقياً فعلاً وساعدتني على صياغة مستقبلي، وآمل أن تكون قد أثرت في المؤسسات التي عملت معها ووجهتها إلى الأفضل.
أعتقد أنَّ الأمر كله يتلخص في امتلاك المرء دائماً لحس الفضول، وعدم القبول بضرورة الحال بكل شيءٍ على عواهنه، والبحث عن فرصٍ لتطوير ما بين يديك. لا يعني ذلك استحالة قناعتك ورضاك بشيءٍ، بل إنَّ الأمر يتعلق بخلق بيئةٍ يستطيع فيها كل إنسانٍ التفكر فيما يفعل وكيفية "إضافته لقيمة" حقيقيةٍ (وهو اصطلاح مُبالغٌ في استعماله جداً) للمهمة القائم عليها. لقد تعلمتُ كم من الممكن لهذا المنهج أن يكون قوياً، خاصةً من شركتي السابقة في دبي، لكنه شيءٌ كلما استرجعت الأحداث أراه ثابتاً حقاً لا يتغير في منهجي.
حريٌّ بنا جميعاً أن نكون قادرين على التساؤل "كيف لنا أن ننجز ذلك بشكلٍ أفضل؟" لكي ندفع عجلة مؤسسة ركيزتها الأداء حقاً. ولا يعني ذلك أنك لا تقر بالعمل السديد وتقدره، ولا يبرر ذلك لك النقد؛ فعندما نعتزم التحدي، ينبغي علينا أن نفعل ذلك بينما نحترم زملاءنا، وأن نكون على أهبة الاستعداد لقبول النقد وأن نرقى لمستوى التحدي الذي يواجهنا.
غالباً ما كنت أجد أنَّ الذين يطيب لهم أن يتحلوا بالفضول على نحوٍ إيجابيٍّ يميلون إلى خلق بيئةٍ تدعم المجهود الاختياري لأنفسهم وللآخرين ممن حولهم. وأعني بالمجهود الاختياري بذل الناس جهوداً إضافيةً لإحداث فارقٍ وإنجاز ما يتجاوز الحد الأدنى، والسعي لتحسين الظروف من حولهم، مِن قبل حتى أن يُطلب منهم ذلك. والواقع أنَّ هذا الجانب مشمولٌ في قيمة "التميز" ضمن ثقافة "Winning Hearts" لدينا. وتُعَرَّف قيمة "التميز" بالتحسين المستمر للذات وللأنظمة بغية تقديم أداءٍ متميزٍ. وهذا الجانب مشمولٌ أيضاً في قيمة "الإنجاز" المُعرَّفَة بأنها الفخر بتحقيق الأهداف الشخصية والمهنية وتحمل مسؤوليتها. وهذا الجهد الاختياري، حين يمزج بقيمنا، هو الذي سيميزنا حقاً عن منافسينا، ويواصل البناء على ما يُعدُّ تاريخاً استثنائياً مبهراً.
إنني في غاية الامتنان لجوردون لمساعدتي على نيل هذا المنصب، ولمجلس الإدارة لثقته التامة بتحملي المسؤوليات المترتبة على ذلك المنصب. وأتقدم بخالص الشكر والتقدير لكل من منحني الفرصة لإرشاد وتوجيه هذا الفريق الرائع لاجتياز التحديات التي تلوح في الأفق. ولا يسعني أن أفكر في مجموعةٍ أفضل منكم من الأشخاص الذين أشاركهم تلك الخبرة.
ماريك شريدان
الرئيس والمدير التنفيذيُّ