
مي تقي تتحدث عن تجربتها مع التطوع
أذْكر أنني عندما تخرجت في المدرسة الثانوية، كان كل ما يشغل تفكيري أنني مقبلة أخيراً على الرحيل وأنني لن أنظر أبداً إلى الوراء. وبعد اجتيازي مرحلة الحياة الجامعية وانغماسي في الحياة العملية، أرى الأشياء الآن من منظور مختلف.
لقد تخرجت في المدرسة الثانوية منذ ثمان سنوات، والحقيقة أنني لا أشعر أنني تخرجت منذ كل ذلك الوقت الطويل. كنت من سعداء الحظ الذين تواصلت معهم منظمة "إنجاز" التطوعية في البحرين، التي تعمل على تثقيف الطلاب في جميع المستويات العمرية وتعريفهم بمختلف الصناعات المتنوعة. عرضت عليّ إنجاز وظيفة تطوعية لتدريس برنامج يسمى "إنه مستقبلي" لطلبة الصف العاشر في المدرسة الثانوية التي كنت ذات يوم أدرس فيها. فوافقت على العرض بلا أي تردد. كنت أريد بحق أن أرد العطاء للمدرسة التي كوّنتني وجعلتني ما أنا عليه الآن. وأنا أدرك الآن كيف أعدّتني مدرستي، لا للجامعة فحسب، بل لبيئة العمل أيضاً. وتتولى منظمة في أمريكا تسمى "جونيور أتشيفمنت" إعداد برامج "إنجاز".
يهدف برنامج "إنه مستقبلي" إلى إعداد الطلبة من أجل الحياة العملية. فهو يمدّ الطلبة بمعلومات عملية مع استقصاء المسارات المهنية المحتملة في الوقت نفسه. اشتمل البرنامج على 6 جلسات ركّزت على ما يلي: "علامتي التجارية" و"المجموعات الوظيفية" و"المسارات المهنية عالية النمو" و"تخطيط المسارات المهنية" و"السعي الدؤوب" و"كيف تحافظ على وظيفة (أو تخسرها)". كان كل درس من هذه الدروس بمنزلة منحنى تعلم، لا للطلبة فحسب، بل أيضاً لي أنا شخصياً. تذكرت شعوري وأنا مكانهم، حيث كانت هناك أشياء كثيرة تكتنفها الشكوك وأنا في السادسة عشر من عمري. كانوا حريصين كل الحرص على التعرف على تجربتي كشخص كان ذات يوم في مكانهم والرحلة التي انطلقت فيها عبر الجامعة وكيف حصلت على وظيفتي هنا في مجال التجارة الإلكترونية. كلفت الطلبة بالتفكير في ماهيتهم كأفراد وفي أنواع مجالات العمل التي ستتناسب مع ميولهم ومهاراتهم. كانوا شديدي الاهتمام والحماس للمسار المهني الذي اتخذته، وكان من المهم بالنسبة لي أن أبيّن للطلاب أن انطلاق المرء من قيود الوظيفة "المصرفية" التقليدية في البحرين وتوسيعه دائرة نشاطه وآفاقه هو الطريق الحقيقي الذي ينبغي علينا أن نمضي فيه.
كان من بين المسارات المهنية رفيعة النمو التي ناقشناها مجال التكنولوجيا وكيف يلعب دوراً كبيراً في الطريقة التي تزاول بها الشركات أعمالها في يومنا هذا. وقد تعلّم الطلبة كيف يخططون مساراتهم المهنية وكيف يتصرفون في مقابلات التوظيف. ومن خلال إطلاعي الطلبة على تجاربي الشخصية ساعدتهم بمعنى الكلمة على رؤية العالم من حولهم على حقيقته. كانت هذه جلستي المفضلة على الإطلاق؛ لأنني كنت قد علّقت 5 لوحات داخل الفصل تمسّ مختلف مراحل اجتياز مقابلات التوظيف واقتناص الوظيفة. كانت مع الطلبة قائمة تضم 20 سؤالاً وكانت الأجوبة عنها متضمنة في تلك اللوحات الخمس، والفريق الذي يجيب عن جميع الأسئلة إجابة صحيحة سيفوز بجائزة. تعامل الطلبة مع هذا التمرين معاملة جادة تماماً، وفازت المجموعة الأولى ببطاقات هدايا من iTunes. ولا شك أن الحماس كان يملأ هؤلاء المراهقين للفوز بتلك الهدايا!
خرج الطلبة من هذا البرنامج ولديهم فكرة واضحة عن المواد التي سيختارون دراستها في السنة المقبلة، وماهية الكلية التي يودون الالتحاق بها في النهاية، وماهية التخصص الذي سيدرسونه، وفي نهاية المطاف ماهية مجال العمل الذي يخططون للالتحاق به. وقد أكّدت على حقيقة أن الحصول على فرصة من هذا القبيل، حتى في سن صغيرة، سيكون مفيداً بحق في الحصول على وظيفة فيما بعد. أنا شخصياً تلقيت تدريباً داخلياً في جميع عطلاتي الصيفية أثناء دراستي الجامعية، مما لعب دوراً كبيراً في اتخاذي القرار بشأن المجال الذي أريد الاشتغال به في نهاية المطاف. لم تكن مثل هذه البرامج متاحة وأنا في المدرسة، وبالتالي فالمشاركة في برنامج يفتح عقول الطلبة على ما ينتظرهم في مستقبلهم فائدة حقيقية لن تتاح للجميع فرصة الحصول عليها.
تنفذ "إنجاز" برامج كل سنة تتراوح بين التخطيط المهني وريادة الأعمال والتمويل الشخصي وغير ذلك من الموضوعات. فإذا كنت مهتماً بالقيام بعمل تطوعي مماثل، فسيسرني أن أحيلك إلى موظفي "إنجاز"!