
تنوير رحيمان: هدفنا التركيز على سعادة موظفينا
بدأت الحكاية قبل 20 عاماً، بإعلان في الصحيفة عن وظيفة شاغرة مؤقتة.
واليوم، بالكاد نجد شخصاً يعمل ضمن مجموعة "بي أم أم آي" ولم يتعامل مع تنوير رحيمان أو لم يتعلّم منها عبرة قيّمة.
تُخاطَب تنوير من قبل زملائها باسمها المصغّر "تان" كناية عن مشاعر المحبة تجاهها، وقد انضمّت تنوير إلى مجموعة "بي أم أم آي" في العام 1997 لتشغل وظيفة مؤقتة. ومنذ ذلك الحين، أسهم اجتهادها وتفانيها في عملها وتحلّيها بالكثير من السمات الإيجابية في تحويلها إلى قوة دينامية لدى مجموعة "بي أم أم آي". وفي غضون السنوات العشرين الماضية، عملت تنوير في أقسام عملياتنا كافة. فتدرّجت على السلّم الوظيفي ابتداءً من عملها الأوّلي كسكرتيرة تنفيذية مؤقتة، لتغدو مديرة العلاقات الاجتماعية في قسم الموارد البشرية بمجموعة "بي أم أم آي".
ولقد أراد فريق الاتصالات في الشركة مؤخراً معرفة المزيد عن رحلة تنوير وماهية الدروس والعبر التي اكتسبتها خلال العقدين المنصرمين.
مع اختلاف وتنوّع الوظائف والمناصب التي تولّيتِها في مجموعة "بي أم أم آي"، يبدو أنك حقّقت قفزة نوعية وانتهزت كل فرصة سنحت لك للخوض في غمار التحديات والتغلّب على المصاعب.
أجل، فأنا لا أخشى مطلقاً الإبحار في خضمّ التحديات. كما إنني ممتنّة لمدرائي الذين أسهموا في تحفيزي ودفعي لمواجهة المخاطر والخوض في غمار المجهول من أجل تطوير مساري المهني. وفي الواقع بدأت العمل في مجال التمريض، لذا فقد كان كل شيء أخر جديداً تماماً بالنسبة لي!
مهلاً... هل قلتِ أن لديك خبرة سابقة في مجال التمريض؟
أجل! عندما غادرت موريشيوس كان ذلك لأنني أردت أن أعمل كممرضة. فلقد كنت طالبة تمريض في المملكة المتحدة وعملت بدوام جزئي في هذا المجال لمدة عام كامل. وعندما عدت إلى موريشيوس، أُتيحت لي فرصة المجيء إلى البحرين، فاغتنمتها. وبالرغم من أن مساري المهني في مجال التمريض قد انتهى هنا، غير أنني حينما أذهب الآن إلى أي مستشفى أشعر أنني في منزلي وموطني... فأنا أعشق رائحة المعقّم والزحام والضجيج في المستشفيات.
هل تنظرين إلى الوراء وتتمنين لو أنك أديت الأمور على نحو مختلف؟
لا، أبداً. فأنا سعيدة بما أنا عليه الآن وبما آلت إليه الأمور. فخبرتي كممرضة علّمتني مهارات كثيرة ما زلت أمارسها حتى الآن. إذ اكتسبت من خبرتي تلك أن أكون جريئة وألا أُهمَّش وأن أكون شجاعة ومقدامة في كل الأحوال. كما تعلّمت الكثير عمّا يعنيه تعدّد المهام لأنه كان يتوجّب عليّ العمل لساعات طوال وأن أبقى متيقظة على الدوام. وأنا أوظف مهاراتي هذه في عملي الآن أيضاً.
وعلاوة على ذلك، لطالما كان جوهر عملي ومحوره هو الناس، لا بل كان الناس شغلي الشاغل وأولويتي الأولى والأخيرة؛ سواء أتعلّق الأمر بمجال التمريض أم بالموارد البشرية، وهو المجال الذي غدا شغفي في الحياة. وبوصفي ممرضة، تعلّمت الكثير حول التعامل مع نفسية الناس. إذ كان عليّ أن أعرف كيف أحدّثهم، وأن أكون لطيفة ولبقة معهم وجاهزة لمساعدتهم وتقديم العون لهم على الدوام. كما كان يتعيّن عليّ الترحيب بالمرضى وبأقاربهم.
لقد أسهمت هذه المهارات بدرجة كبيرة في مساعدتي على التعامل مع الموظفين هنا في مجموعة "بي أم أم آي". كما إنني تمكّنت مؤخراً من إنقاذ حياة شخص غريب صادفته في الشارع وأسعفته بالإنعاش القلبي الرئوي –وأنا سعيدة جداً بامتلاكي لهذه المهارات، فهي بمثابة نعمة حقيقية!
والآن، بوصفك مديرة العلاقات الاجتماعية، فإنك لا تزالين تتعاملين كثيراً مع الناس، أليس كذلك؟
أجل تماماً. فنحن نركّز في عملنا على العلاقات مع الموظفين. إننا نرغب حقاً في جعل موظفينا يشعرون بالسعادة وينخرطون أكثر في عملهم. إذ إننا نفكّر دوماً في كيفية تعزيز مبدأ الولاء للشركة والشعور بالانتماء إليها. فبالنسبة لي، ينبثق الولاء من الإحساس بالسعادة، فعلى سبيل المثال، أستطيع أن أوفّر لك مرافق وأدوات وتجهيزات ممتازة، غير أن غياب بيئة العمل الصحيحة وجوّ الوفاق بين الزملاء، سيدفعك إلى ترك عملك في نهاية المطاف. ومع أن توفّر المكتب الفخم هو أمر عظيم، غير أنك إن لم تكن سعيداً، فما الذي سيدفعك للبقاء؟ من الضروري أن نركّز دوماً على خلق بيئة السعادة هذه وأن نعمل على تغذيتها وتعزيزها والاعتناء بها.
إذاً مضى على عملك هنا 20 عاماً، ما هو السر الذي غذّى ولاءك للشركة وتفانيك في عملك؟
أنت تعلم أنه من المهم جداً أن تشعر بتقدير عملك وجهدك والاعتراف بهما. فإذا لم تحظ بهذا التحفيز ولم تشعر بأن ثمة أبواباً تُفتح أمامك وبأنك قادر على النمو والتطوّر، سيصعب عليك البقاء في المكان نفسه لمدة طويلة. فعلى المدراء إدراك هذا الأمر جيداً ويجب أن يسعوا دوماً إلى مساعدة موظفيهم على التطوّر والتقدّم على مسارهم المهني.
لكن، هنالك أيضاً أمر لطالما كنت أردّده في نفسي طوال مسيرتي المهنية: عليكِ أن تكوني مغامرة وأن تتحدي ذاتك وتُبحري في مجال الفرص وتتولّي المزيد من المسؤوليات والمهام. فعليك إذاً ألّا تتردّد وألّا تقل لنفسك "قد لا أجني شيئاً من كل هذا" أو "أنا لا أرتقي إلى سوية هذا التحدي". نعم أعرف أن هذا الأمر سيكون صعباً وجديداً عليك كليّاً، لكن لا تسمح لذلك أن يتحوّل إلى عائق في مسارك. فأنت بحاجة دائماً للسعي إلى تحويل كل تحدٍّ إلى حالة رابح-رابح –وأعني هنا أن الحياة عموماً ليست دائماً حقل ورود! إن الأمر الأهم هو كسب المزيد من الخبرات في هذه الحياة.
هل تشعرين بأن لخبراتك المتنوعة دوراً في بلوغ ما أنت عليه الآن؟
أجل، أشعر بأن لخبراتي الدور الأساس فيما آلت إليه حالي، فقد تولّيت في بداية مساري المهني منصباً متواضعاً وخضت تحديات كثيرة ونجحت في مواجهتها. فأنا لدي قناعة بأن دخلك وفرصك ستزداد كلما ازداد جدّك واجتهادك وكلما ازدادت رغبتك في تطوير ذاتك. وأنت تعلم أن المدراء الناجحين سيلاحظون مدى مثابرتك واجتهادك وسيعترفون بجدارتك واستحقاقك للتكريم والترقية لقاء جدّك هذا. نعم، ثمة مدراء يلاحظون اجتهاد موظفيهم ويقدرونه أكثر من سواهم، غير أنني أعتقد أن معظم المدراء يقدّرون جهود موظفيهم. صحيح أنك قد تحتاج في بعض الأحيان إلى تذكيرهم، لكن إن لم تحفّز ذاتك بنفسك، فهل تتوقع أنك ستصل إلى مبتغاك؟
بوصفك مديرة، كيف تحاولين إيصال رسائل السعادة والعرفان إلى الموظفين الآخرين؟
بالنسبة لي، أحاول أن أكون مثالاً يُحتذى به. فباعتقادي أنك إن جسّدت إحدى قيم الحياة السامية فإن الموظفين سينجذبون إليك كالمغناطيس وسيحاولون تقليدك والسير على خطاك. وأنا أختبر هذه الحال مع أعضاء فريقي. إنهم حقاً أصيلون وحقيقيون وبمقدورهم مساعدة الزبائن بابتساماتهم المشرقة. وإذا كنتُ قادرة لوحدي على التأثير بكل هؤلاء الناس وبثّ الروح الإيجابية فيهم، فكم سيكون عدد الذين سيتمكّنون هم من التأثير فيهم؟ فإذا عاملت الآخرين بصدق وشفافية، وبذلت قصارى جهدك لتقديم المساعدة لهم والعمل على نشر المعرفة، فإن من المرجّح أن يتجاوبوا معك ويتّبعوا نفس أسلوبك! كما إنني بصراحة أعتقد أن التحلّي بالتواضع سيدفعك قدماً نحو الأمام.
كيف ذلك؟
إن التواضع هو من أهم الفضائل الغالية على قلبي. ولا أزال أتذكّر باعتزاز تلك الأيام الأولى من مسار عملي في المجموعة عندما كان دخلي محدوداً. لقد تعلّمت الكثير من تجربتي هذه، كما إنني أدرك كيف أن تلك الأيام قد ساعدتني في تثبيت أقدامي لكي أتمكن من متابعة صعود السلم الوظيفي. فبرأيي، لم نولد جميعاً وفي أفواهنا ملاعق من ذهب، بل يتعيّن علينا الانطلاق من نقطة ما، وجميعنا نواجه مصاعب ومنغّصات في حياتنا بشكل أو بآخر، ولا يمكننا مقارنة أنفسنا بالآخرين.
اعتدت سماع أمي تقول لي أن ما أجنيه باليد اليمنى، سأنفقه باليد اليسرى. فقد تكون الآن في منصب لطالما حلمت به، لكن ما الذي سيحدث إذا تغيرت الظروف على نحو مفاجئ؟ قد يكون من السهل نسيان النقطة التي انطلقت منها وكم تعثّرت وعانيت في بداية مسارك المهني. وفي بعض الأحيان يتصرف الناس كما لو أنهم قد وصلوا إلى ما هم عليه الآن فجأة وبقفزة واحدة وينسون ما اعتادوا القيام به من قبل. وكأنهم لا يتذكرون التعاطف والاحترام اللذين يشكلان مركّبتين أساسيتين من ثقافتنا في مجموعة "بي أم أم آي". فلكي تكون عضواً فاعلاً في الفريق، يتعيّن عليك أن تشعر بالآخرين وتدعمهم وتعاملهم باحترام وتقدير حقيقي.
كونك قد أمضيت عشرين عاماً في مجموعة "بي أم أم آي"، ما هي رؤيتك لمستقبلك الشخصي ومستقبل فريقك؟
لقد حدثت تغييرات كثيرة في مجموعة "بي أم أم آي" عبر هذه السنين. فلقد تحوّلت من شركة محلية إلى مجموعة دولية، من شركة صغيرة إلى مجموعة كبرى وأكثر تنوّعاً. وبالنظر إلى قسم الموارد البشرية، أظن أننا أفضل الآن من أي وقت مضى. فلقد بتنا الآن أكثر تواصلاً وانخراطاً في عملنا. إننا لا نقوم فقط بمهام إدارية، بل نتعامل مع الآخرين بوصفنا شركاء حقيقيين في العمل، فمن شأن كل ذلك أن يساعد على فهم متطلبات الشركة وحاجات الموظفين على نحو أفضل بكثير من الماضي.
إن الجوهر الحقيقي لمجموعة "بي أم أم آي" إنما يكمن في أناسها ومواهبها. فلا قيمة لنا من دونهم. وعلينا أن نضمن إتاحة الفرص أمامهم لكي ينموا ويتطوّروا ويوظفوا الأشخاص المناسبين ويحتفظوا بهم. ومن الضروري الاستمرار في العمل والتركيز على الاحتفاظ بثقافة شركتنا العظيمة وتحسينها وتطويرها باستمرار. فبالمحصلة، ذلك ما سيدفع الناس إلى البقاء فيها. وبالنسبة لي شخصياً أرغب في أن أترك بصمة مميزة عندما أغادر هذا المكان، أرغب في أن يتذكرني الناس لسنوات وسنوات وأن أعرف حقاً أنني قد كنت مؤّثراً.
ماذا يعني ترك بصمة مميزة بالنسبة لك؟
عندما أتقاعد يوماً ما وألتقي بأناس خارج العمل، أتمنى أن يخبروني بأنهم لا يزالون يطبقون مبادرات كان لي دور في إطلاقها، حتى ولو كانت تلك المبادرات حول أمور بسيطة كالإفطار الذي كنا نقيمه في قسم الموارد البشرية كل يوم خميس والذي كان متاحاً لجميع الموظفين. كما إنني عقدت صداقات مدى الحياة طيلة عملي هنا، وساعدت في تدريب وتطوير الكثيرين، وعندما أغادر الشركة أرغب في أن أبقى ملهمة بالنسبة لهم وأن يتذكروني والابتسامة على وجوههم بوصفي شخصاً كان له تأثير إيجابي في حياتهم.
ماذا تقولين لنفسك كل يوم عندما تأتين إلى العمل لكي تحوّلي هذه الرؤية إلى حقيقة؟
أقول لنفسي أنه يتعين علي دائماً أن أبذل كل ما في وسعي وأن أكون على استعداد دائم لمساعدة الجميع ومدّ يد العون لهم. إنني أذكّر نفسي دوماً بأنني زميلة وصديقة لجميع أفراد فريقي، ولست مجرد مديرة لهم. إنني أبادر للمساعدة قدر استطاعتي –فما من مهمة أجدها أقل قدراً من أن أنخرط فيها، وبخاصة إذا كانت ستساعد بالمحصلة شخصاً ما. والأمر الآخر المهم هو أن علي أن أبقى متيقظة وعلى استعداد للاستماع إلى الجميع. فالناس يتكلمون وعليك أن تصغي إليهم ولا توصد الأبواب دونهم، وذلك بغض النظر عما يقولونه. فقد تكتشف فرصة يمكن أن تساعد من خلالها أحداً ما لكي يتطور ويزدهر أكثر في قسم آخر أو وظيفة أخرى. فحينما تقدم يد العون لزملائك وتخرجهم من مشكلتهم، فإنك تمكنهم من التطوّر والتميز.
مرة أخرى، إنني أذكّر نفسي دوماً بأن أكون متواضعة، وأفكر بصوت مرتفع مع أفراد الفريق وأصرّ على سماع ملاحظاتهم وتعليقاتهم فيما يخصّ أسلوب عملي واقتراحاتهم حول كيفية تحسين أدائنا كفريق. ولم أكن يوماً خائفة أو متردّدة في طرح الأسئلة وطلب المساعدة، وأشجّع الجميع من حولي، فلا أحد يولد وهو يعرف كل شيء، بل إننا نتعلم على الدوام. وليس في ذلك مدعاة للخجل، بل إن من واجبنا بوصفنا مؤسسة تسعى إلى التعلّم أن نجعل منه أسلوب حياة.
هنالك أمر آخر: عليك دائماً أن تسأل الناس إن كانوا سعداء، وكيف يمكنك أن تجعلهم أكثر سعادة. فالموظفون السعداء يسهمون أسهاماً عظيماً في إنجاح الشركة وتطوّر فريق عملها –وبالمحصلة هذا هو الهدف الأهم.