
قوّة التواصل؛ مقابلة مع مي الموسوي، مسؤولة العلامة التجارية والاتصالات في بي أم أم آي
منذ 2013، كانت مي الموسوي، تمثل القوة الإبداعية التي يعود إليها الفضل في إبقاء الموظفين على إطلاع بآخر مستجدات الشركة، وتحفيزهم وتشجيعهم. وفي الآونة الأخيرة، قمنا بعمل لقاء مع مي لنعرف منها المزيد عن التواصل مع وكيف يدعم هذا ثقافتنا المؤسساتية.
ما من شك أن معظم الشركات والمؤسسات تدرك جيداً أهمية التواصل مع عملائها وأنه عنصر أساسيّ وحاسم في تحقيق نجاحها. لكن ماذا عن أهمية التواصل مع عملاء الشركة الداخليين (أي الموظفين بمختلف مستوياتهم)؟
"العميل أولاً"، نسمع هذه الترنيمة طوال الوقت في الكثير من المؤسسات. وإذا ما غامرت وقمت ببحث على محرك غوغل ستنبثق لك 13,600,000 نتيجة، إذاً فلا بد أنها مقولة صحيحة! ما من شك في أهمية العملاء، إلا أنه ينبغي عليك كذلك ألا نغفل عن جمهورنا الداخلي. في مجموعة "بي أم أم آي"، نسعى دائماً إلى وضع موظفينا وطاقم عملنا أعلى سلّم أولوياتنا. فعلى أية حال، نحن بصفتنا موظفين، نعتبر جميعاً ممثلين عن العلامات التجارية التابعة لـ"بي أم أم آي"، لذلك إن لم تكن كموظف على دراية بأهداف "بي أم أم آي"المستقبلية، كيف ستساهم أصلاً في تحقيقها؟
بالنسبة لنا نحن كموظفين، ينبغي أن يكون سؤالنا الأكثر شيوعاً هو "لماذا"؟ ما هو المغزى من وجودنا هنا؟ إننا بحاجة إلى إدراك ما الذي يجعلنا متميزين، الأمر الذي يتيح لنا بدوره أن نثمّن أهدافنا وقيمنا التي نسعى إلى تحقيقها وتجسيدها على أرض الواقع. أما بالنسبة لنا كبشر، فإننا بحاجة إلى الشعور بأننا مقدّرون وأن نشعر بالانتماء وأننا جزء من فريق أكبر منها؛ لا سيما أن الغالبية العظمى من موظفي "بي أم أم آي" الذي ينتمون إلى جيل الألفية يضعون أهمية كبرى على التفاعل معهم ومنحهم آراء تقييمية لأدائهم. ومن خلال وضع "الاتصالات الداخلية" في صميم عملنا وأعلى سلم أولوياتنا، ننجح في خلق حسٍّ من الشعور بالمغزى والغاية في بيئة العمل، مما يحفز موظفينا على العمل تجاه هذه الأهداف المشتركة
يتعلق التواصل مع الموظفين بحشد صفوفهم وتنسيق جهودهم وتوجيهها نحو تحقيق هدف مشترك. فالتواصل والعلاقات الداخلية لا تعني إبقاء الموظفين على إطلاع بمستجدات الشركة وما يحدث فيها وحسب، بل تعني أيضاً تشجيع التعارف والتواصل بين الموظفين أنفسهم، سواء بين المدراء والمرؤوسين أو بين الموظفين النظراء. وعلى الرغم من أهمية الممارسات التقليدية في التواصل الداخلي، إلا أن الاجتماعات الأسبوعية لفرق العمل والمراجعات الفصلية لا تكفي البتة. بالإضافة إلى هذا، لا بد عليك كجزء من الفريق أن تقضي بعض الوقت في التعرف على زملائك في العمل، ذلك أن هذا الأسلوب هو الطريقة الوحيدة التي تضمن لنا أن خط التواصل الداخلي مفتوح دائماً. وبهذا الصدد، يدرك من قضى بعض الوقت في إدارة الاتصالات المؤسساتية، أن بعض أكثر الحلول الإبداعية والأفكار المبتكرة لا تنبثق في الاجتماعات الرسمية للعمل، بل أثناء حديث وديّ على طاولة القهوة أو أثناء تناول الغداء.
ما هو الدور الذي تلعبه "الاتصالات" في الإبقاء على الموظفين متفاعلين، وما هو أثرها في إرساء ثقافة مؤسساتية جيدة؟
تعد الاتصالات مع الموظفين والتفاعل عنصران لا ينفصلان عن بعضهما البعض. من ناحية أخرى، لا ينبغي أن يعزب عن خاطرنا أن عبارة "تفاعل الموظفين" من شأنها أن تحدّ تفكيرنا، لأنها توحي بأننا نهدف فقط إلى تحقيق "التفاعل". غير أن ما نريده في الواقع هو جعل مجموعة "بي أم أم آي" مكاناً تحبّ أن تذهب للعمل فيه كل يوم، وجعل مؤسستنا مكاناً يشعرك بالإنجاز والمعنى وتحقيق الذات، وأن تحظى ببعض المرح في رفقتنا! هذه هي الصفات التي تجعل الموظفين ملتزمين حقاً بأعمالهم في الشركة. لا بد أن تحبّ "بي أم أم آي" كي تتفاعل مع نشاطاتها؛ ولكي تحب "بي أم أم آي" لا بد عليك أن تتعرف عليها جيداً. لكن كيف نتعرف عليها؟ الجواب البديهي: من خلال الاتصالات بالطبع! لذلك إن أردت أن يشعر موظفوك أنهم جزء من العائلة، لا بد أن تبقيهم على الدوام مطلعين على ما يحدث في شركتك.
ومن المهم أن تتذكر أن التواصل مع الموظفين ليس مجرد دور قسم الاتصالات والتسويق. فمن أجل تحفيز المشاركة وتعزيز ثقافة مؤسسية جيدة، نتحمل جميعًا مسؤولية مشاركة المعلومات والأخبار.
لماذا الصدق والشفافية مهمان للغاية؟
لقد أصبحت الشفافية اتجاهاً سائداً في الممارسات الإدارية والمؤسساتية في السنوات الأخيرة. ومع أننا نستطيع أن نقدم تعريفاً جامعاً مانعاً للشفافية في جملة واحدة، لكنها تعني بشكل مبسط مشاركة المعلومات اللازمة التي تم طلبها، وليس الاقتصار على مشاركة المعلومات المُفصح عنها بإرادة المُفصِح. لا بد من إبراز الحقائق وكشفها للجهات التي تستحقها، حتى وإن كانت حقائق غير مريحة!
فضلاً عن ذلك، لا بد علينا جميعاً أن نشارك المعلومات بحرية وأريحية. تكمن القوة في المعرفة، ومن خلال مشاركة المعلومات والمعارف، ندفع الموظفين قدماً ونمكّنهم من التطور نحو الأفضل، الأمر الذي ينتج عنه بيئة عمل مُنتجة وسعيدة. يشعر الموظفون أنهم مستثمرون في مجموعة "بي أم أم آي"، وليس مجرد مؤدي مهام فحسب، لكن ذلك يحصل فقط عندما يكون هناك تدفق جارٍ للمعارف والأفكار، دون حدود تحصرها أو تضيّق عليها؛ وهذا ما يجعلهم في نهاية المطاف يؤدون ما يجب عليهم من مهام بصورة افضل وأحسن مستوى.
في هذا السياق، تعتبر الشفافية إحدى المكونات الرئيسية لثقافة المؤسسة في مجموعة "بي أم أم آي". وقد تتسائل لماذا؟، ذلك أن الشفافية تؤدي إلى مشاركة المعارف وتبادل الخبرات والتعاون بشكل أفضل، فيما توفر الوقت والمال وتجعل عملية اتخاذ القرارات في المؤسسة أسرع وأكثر إبداعية وابتكاراً. كل هذه النتائج الطيبة ما هي إلا آثار إيجابية تلقائية تنجم عن تطبيق الشفافية في المؤسسة، إلا أن أهم أثر إيجابي للشفافية هي أنها تضفي النزاهة والمصداقية على المدراء والقادة! بهذا الصدد، قام قسم الموارد البشرية بمجموعة "بي أم أم آي"، بإجراء استبيان سأل من خلاله الموظفين عن أهم قيمة يعتبرونها الأثمن في ثقافتنا المتمحورة حول Winning Hearts وكانت النتيجة أن 45% ممن أجري عليهم الاستبيان قالوا بان "الصدق والنزاهة" هي أكثر القيم أهمية بالنسبة لنا. هذه النسبة كبيرة لأنها تمثل ما يربو على 750 موظفاً!
إذاً، كيف لنا أن نتأكد أننا نزهاء وصادقون ونتمتع بالشفافية؟
أعتقد أن أفضل طريقة لاكتشاف ذلك هو إجراء محادثات صريحة وجادة مع فريق العمل. وأنا أدرك أن مثل هذه المحادثات قد تتضمن أسئلة صعبة بل وحتى القضايا غير المريحة لمن تطرح عنه. بل أن فتح الباب في هذا قد يحفز الموظفين على طرح أسئلة لطالما كانوا يريدون معرفة جوابها.
إن موظفينا هم جنودنا الميدانيون الذين يقومون بالعمل الحقيقي على أرض الواقع، ولذلك ما من شك أنهم يدركون المشاكل الحاصلة أكثر من البقية! وبهذا الصدد، أعتقد أن مهمة القادة والمدراء الأساسية تتمثل في توفير بيئة عمل مريحة وآمنة للموظفين حتى إن كانت التحديات العملية صعبة وتتخللها العديد من العقبات. وبرأيي، يمكن توفير ذلك من خلال عقد جلسات أسئلة وأجوبة دورية أو إعداد لقاء ودي شهري في إحدى المقاهي على سبيل المثال. صحيح أنها ستكون محادثة ودية بسيطة، إلا أنك لن تتصور مقدار النتائج الإيجابية التي قد تنجر عنها.
من ناحية أخرى، يعتبر تقديم وتلقيّ "آراء تقييمية" بنّاءة عاملاً رئيسياً في التواصل الداخلي في المؤسسة. وأنا أوصي بتدريب فريق العمل على تقديم آراء نقدية صادقة من شأنها تحسين أدائه. ومع ذلك، تعد عملية تقديم "آراء تقييمية" مهمة صعبة مثلما هو الحال عند تلقيها؛ ذلك أن البشر يتفاوتون في كيفية التجاوب معها. ولأنها مهارة وعادة مؤسساتية إيجابية لا بد من التدرّب عليها وإتقانها. وهكذا وبعد قيامك بذلك عشرات المرات، تصبح العملية أسهل، ويتجلى أثرها الإيجابي واضحاً في رفع مستوى أداء الفريق.
أثناء عملي في المؤسسة، كانت إحدى التجارب السلبية التي مررت بها هي جهلي بأحد الأمور التي تحدث داخل المؤسسة، ثم توقع المدراء أن أعرف كيف أوصّل هذا الأمر للموظفين! صحيح أني أحسست أن شيئاً ما يحدث في المؤسسة، إلا أنني لم أكن أعرف ما هو فلم يخبرني أحد... لماذا؟ لأنها كانت أخبار سيئة. هل كنت لا مبالية؟ بالعكس تماماً! لم يتم إبلاغي لكي لا يتسبب إطلاع الموظفين في حالة من الإحباط والارتباك. مع ذلك، لما عرفت الأخبار من مصدر مطلع سريّ كان الأمر أسوأ مما لو عرفتها عن طريق رسميّ. إن الدخول في لعبة الغيبة والنميمة لا يختتم بنهاية سعيدة على أية حال. من ناحية أخرى، تشير المنهجيات الحديثة إلى أن كشف الأخبار السيئة عامل حاسم في بناء الثقة داخل المؤسسة. يستند صرح الثقة في أساسه على النزاهة والصدق وطمأنه الموظفين وطاقم العمل أن الحلول يجري تنفيذها. ولهذا نحن في فريق العلامة التجارية والاتصالات المؤسسية نتحدث بصراحة وانفتاح عن تجربتنا العملية، مستوى أداء المؤسسة، والأخطاء التي ارتكبناها والدروس التي تعلمناها منها. فإن قمت بذلك في مؤسستك فسوف تتفاجأ من مستوى الرغبة في الإفادة والمساعدة التي سيبديها زملائك في العمل.
ما الذي تعلمته على مر السنين بشأن ما الذي يريده الناس من عمليات الاتصال والتواصل؟
بصراحة، يعتبر كل إنسان كائناً فريداً ومن الصعب للغاية أن ترضي كل فرد على حدا في كامل أقسام الشركة، لا سيما إن كانت الشركة كبيرة وشديدة التنوع. لكني أعتقد أن أفضل طريقة لعمل الاتصالات هي السعي المستمر لإيجاد وسائط مختلفة وطرق متنوعة لإيصال المعلومة المراد توصيلها. ما من شك أن إرضاء الجميع مهمة مستحيلة، وبقدر ما هو محبط لأولئك غير الراضين سيكون الأمر محبطاً بالنسبة لك كمسؤول اتصالات. لذا، أعتقد أن أهم مكوّن في التواصل هو قبول الآراء التقييمية التي تتلقاها بعد إجراء الاتصالات، وطرح الأسئلة على الموظفين بشكل دوريّ. احرص على استمرارية المحادثة واجعل الجميع يشعر بأنه ضمن الفريق.
هل لكِ أن تحدثينا عن بعض الاتجاهات السائدة في ممارسات الاتصالات الداخلية في عصرنا الراهن؟
إن العالم يتغير بوتيرة بالغة السرعة، وفي بعض الأحيان يشعر المرء أنه من الصعب مواكبة كل هذا الزخم. الأمر الأول الذي ينبغي أن نلاحظه هو أن طاقم العمل في المؤسسات أصبح يضم موظفين أصغر سناً. لا يرغب الموظف الحديث في قراءة إشعارات أو رسائل طويلة ويفضّل أن تكون قصيرة وموجزة ووديّة. ولذلك عندما يرى موظف كهذا رسالة طويلة يقول في نفسه "كان من الممكن أن تكون جملة بدل خمسة!"
من جهتنا، وعلى سبيل المثال عندما نقوم بإجراء الاتصالات مع موظفينا العاملين هنا في البحرين، نعتمد بشكل كبير على الموظفين الذين نكن لهم قدراً كبيراً من الثقة، وهذا جزء من ثقافتنا المؤسساتية، ولذلك نعتبر "التواصل الشفاهي" عاملاً مهماً للغاية في التواصل مع الموظفين. إن عبارة مثل "لقد سمعت من أحمد الذي سمع من محمد الذي دلّه على ذلك أخوه أن..." أكثر موثوقية هذه الأيام من الإعلانات والرسائل التي ينتهي بها المطاف إلى بريدك الإلكتروني. إن الرسائل الموصلة شفاهياً تضفي عليها الشفوية مسحة دائمة من الحقيقة. في مجموعتنا "بي أم أم آي" أعددنا مجموعة من اللجان مكونة من متطوعين يقومون بنقل المعلومات شفاهياً داخل الأقسام التي يعملون فيها وذلك لنشر المعلومات حول النشاط الرياضي أو الاجتماعي القادم في الشركة، وقد تبين حقاً أنها أفضل طرق التواصل التي يفضلها موظفونا. من ناحية أخرى، من الهام للغاية أن تصغي على الدوام لما يقوله جمهورك وما الذي يرغب فيه.
كما أنه من الضروري أيضاً أن تتحلى بالإبداعية. لا أحد يرغب في رؤية نفس التصميم الذي يضم نفس النص كل يوم، ولذلك نحاول في قسم الاتصالات أن نغيره قبل أن تراه. ولهذا هناك الكثير جداً من العمل الذي يتم في قسم الاتصالات الداخلية، أكثر مما تتصور!
وأخيراً، هناك الفيديوهات. إن الفيديو لا يزال وسيظل للأبد، الطريقة الأكثر جاذبية للتواصل، ليس داخل الشركة فحسب، بل وحتى خارجها. وفي هذا الجانب، تعد مشاهدة شخص على الشاشة عاملاً مهماً في ترسيخ الأصالة والموثوقية، وترك أثرٍ إيجابي مهم في نفس المشاهد.
إن الكثير من الموظفين في مكاتبهم لا يزالون يعتمدون علينا كثيراً وذلك بتفقدهم رسائلنا الإلكترونية بانتظام، ولذلك لا زالت الرسائل الإلكترونية إحدى أهم الطرق التي نتواصل بها أيضاً. لكن هذا لا يعني انقطاع التواصل الإنساني، فلازال بإمكانك مثلاً أن تذهب إلى مكتب فاطمة التي تعمل بقسم الحسابات الواقع في نفس المبنى لتطمئن عن أحوالها، قبل أن تمضي في إنهاء إحدى المعاملات المالية. التقط سماعة الهاتف وقم بالاتصال صوتياً، أو حرّك رجليك بالذهاب إلى مكتب زميل لك، فالجميع سيقدّر لك الحديث الودي معهم وذا يساعد على تقوية العلاقات!