
التغيّر الجديد الحاصل في مجال الاتصالات الداخلية
فكّر فيما كان عليه الوضع منذ عشر سنوات مضت، وستلاحظ كيف أن التغير طال كل جانب من جوانب الحياة: من العمل إلى طرق الاتصال، مما رسم ملامح جديدة للعالم الذي نحيا فيه. بطبيعة الحال يعود سبب الانتشار الواسع لهذه التغيرات إلى شبكة الإنترنت، وقنوات التواصل الاجتماعي، والموظفين المُتقنين لهذه التقنيات الجديدة والذين يتميزون بحب نشر معارفهم وخبراتهم، لكن هذا التغير يعني أيضاً أن عملنا وتصرفاتنا تخضع لعمليات تدقيق وتفحص أكثر من أي وقت مضى. ولا عجب في ذلك، لأن المبدأ الأساسي للأعمال التجارية هو المواكبة وتنفيذ ما تحتاجه الشركة بوتيرة أسرع.
يوصي خبراء الإدارة بأن تكون "الاتصالات المؤسسية الداخلية" في بؤرة اهتمام الشركة أو المؤسسة، ولا بد على فريقها أن يؤدي دوراً استراتيجياً من خلال رفع مستوى الأداء والإنتاجية مستعيناً ببناء جسور الثقة وتحفيز التفاعل ما بين الموظفين والشركة وما بين الموظفين وبعضهم بعضاً. ما من شك أن عمليات قسم الاتصالات المؤسسية يؤدي عنه نتائج وآثار عدة، لذلك لا بد أن نكون واعين لآثار هذه المُخرجات على سير عمل المؤسسة أو الشركة. وفي ظل التغيرات التي يمر بها العالم، لم تبقَ بيئات العمل من مكاتب ومقرات ولا سوق العمل بكل ما يحتويه من موظفين في نفس الحالة التي كان عليها سابقاً، ولا هو سيبقى في حالته الآن إذ أنه كما يقولون "التغير هو الثابت الوحيد". لقد أصبح في متناول أيدينا الآن وصول غير محدود للمعلومات والموارد، وأتاح لنا هذا العصر أن نختار كيف وأين نعمل. ولأن أول ما يُدرّس في علم الاتصالات السلسلة المعروفة: 'مُرسل -رسالة -مُستقبل'، ونظراً لطبيعة العصر: لم يعد بإمكاننا السيطرة على الرسالة في وقتنا الراهن.
إذاً ما الحل؟ نجيب: الحل هو الشفافية. لا ريب أنكم لاحظتم أننا نستخدم هذه الكلمة الرنانة كثيراً، إلا أننا نؤكد مرة أخرى على أهميتها البالغة. إن الطلب على إجراء حوارات منفتحة ونزيهة وإرساء قيم الشفافية في تزايد مستمر. ومثلما غيّرت التقنية العالم، طالت أذرعها أيضاً الفكرة التي يملكها الموظفون عن العمل، وتفضيلاتهم بشأن ما يريدون العمل عليه، فضلاً عن طرق التواصل ضمن بيئة العمل.
والآن تشير الدراسات الحديثة في مجال الإدارة إلى أن تجربة الموظف مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالشفافية التي توفرها المؤسسة التي يعمل لديها. فعندما تكون الشركة نزيهة ومنفتحة، تبنى جسور الثقة وتترسخ علاقة الموظف بصاحب عمله. وهذا ما لا ينفصم عن الثقافة المؤسسية، ومدى رضا الموظف عن عمله، ومستوى أدائه وإنتاجيته. إن توفير تجربة عمل مميزة لا يتمحور فقط حول كون المدير أو صاحب العمل "لطيفاً". من جانب آخر، لا بد أيضاً من أن تحظى الشركة بالقدرة على توظيف -والاحتفاظ بـ- أفضل المواهب من سوق العمل الذي يعاني من نقصٍ في المهارات والخبرات المطلوبة. هنا تبرز أهمية "الاتصالات المؤسسية"، حيث يتمحور كل ما أسلفنا ذكره حول هذه النقطة. إن الشركات والمؤسسات الحالية في حاجة ماسّة لفهم كيف يدرك الموظفون ثقافتها وكيف تؤثر الاتصالات الجارية عبر المؤسسة على تجربتهم الشخصية في العمل.
من ناحية أخرى، تشهد ممارسات الاتصالات المؤسسية تغيراً بطرق لا عد ولا حصر لها، مع تغير لا حدّ له ولا نهاية. مع ذلك، فما سنسرده هنا يعتبر بعض النقاط الرئيسية التي لا بد علينا من تأملها لنحاول أن نغير النظرة التقليدية لقسم الاتصالات التي تراه بصفته مركزاً لبث الرسائل من طرف واحد فحسب!
يتعين علينا إيلاء الاستراتيجية المزيد من الاهتمام والتركيز. صحيح أننا نحب أن نكون مبدعين وأن نصمم حملات تسويق رائعة وأن نكتب محتوى مذهلاً، إلا أننا بحاجة أيضاً إلى توفير حلول عملية للتصدي لتحديات الشركة الأكثر عمقاً. وهذا ما يتوافق مع نقطة أخرى لا بد أن نركز عليها هي كذلك، ألا وهي القدرة على التدريب أكثر والعمل أقل! لذلك، سنشرع في المرحلة المقبلة في التركيز على التخطيط الاستراتيجي وتدريب الموظفين المناسبين من كافة أقسامنا وعلاماتنا التجارية ليطبقوا هم بأنفسهم ممارسات الاتصال وفق أرقى المعايير العالمية. وهذا هو المطلوب، إذ أن مهمة الموظفين لا تقتصر في أن يتواصلوا فقط من أجل التسويق للشركة، فتلك مهمة كل مدير وعمله! وفي حال طبّقنا هذه النقاط سنتمكن من التغير من كوننا "متفاعلين"، نتحرك وفق ردة الفعل، إلى "مُستبقِين للفعل"، نستشرف الأمور قبل وقوعها.
إنه من الضروري أن نحوّل النظرة لقسم الاتصالات أو عملية التواصل في سنة 2019 من كونها بث رسائل من طرف واحد إلى جسر تواصل ذو اتجاهين ومن الطرفين. لا بد أن يكون التواصل محادثات ودية ولا بد علينا أن نشجع الموظفين على التحدث! وقديماً قال أحد الفلاسفة "تكلم حتى أراك". إن عملية الاتصالات المؤسسية لا يمكن أن تكون منهجية إدارية محددة تناسب الجميع. فحتى هواتفنا الذكية وحساباتنا على الشبكات الاجتماعية نخصصها بما يلائمنا وما نراه مهماً ونحب معرفة المزيد عنه. لذلك سنحاول تخصيص "عمليات الاتصال" في مجموعتنا، هكذا نقضي على الضوضاء ونخلق حقاً نقاط تواصل فعّالة.
إن الاتصالات المؤسسية، على الرغم من أهميتها البالغة، تتطلب تخطيطاً يأخذ وقتاً وجهداً كي تنجز بشكل جيد، ونحن على وعي بذلك وعلم به. لكننا لا نملك الوقت للانتظار حتى نجعل هذا القسم في مركز عملياتنا التشغيلية، لذلك لا بد علينا في سنة 2019 أن نستفيد من مزاياه وفق ممارساته المثلى. لا بد علينا أن نتخلى عن مقاعدنا المريحة أمام شاشات الحاسوب، وأن نخرج ونرى العمل ميدانياً عن كثب. هذه هي الطريقة التي ستحلّ أصعب التحديات التي نواجها، وهذه هي المنهجية التي ستسمح لنا بإجراء أنواع مختلفة من التواصل (الإلكتروني -الواقعي- الشفوي...)، وحل مشكلة وصول الرسالة للمستلم المقصود، والتصدي لمشكلات التواصل التي تؤثر على النجاح الوظيفي ومستوى الأداء.
يكفي تردداً! عام 2019 هو السنة التي سنكون فيها شجعاناً وجريئين.