
احتفاءً بربع قرن من العمل ضمن فريق بي أم أم آي: مقابلة مع هنادي الصالح، مسؤولة الحوكمة والمخاطر والالتزام
عندما التحقت هنادي الصالح بصفتها متدربةً بدوام جزئي لأول مرة بفريق عمل مجموعة بي أم أم آي، لم يخطر في بالها أبداً أنها ستتخذ الشركة بيتها الثاني وتقضي فيه ما يفوق الستة والعشرين عاماً. أما اليوم، تعتبر هنادي أحد الوجوه المألوفة في مكاتب المجموعة وفروعها، ولا غرابة في ذلك إذ نمت خبرتها المهنية والشخصية إلى أبعد الحدود منذ التحاقها بفريق العمل في العام 1993. واحتفالاً بمضيّ ربع قرن على انضمامها لفريق العمل لدى بي أم أم آي، أجرى فريق الاتصالات المؤسسية والمسؤولية الاجتماعية مؤخراً لقاءً مع الأستاذة هنادي للتعرّف عن كثب على مسيرتها الحافلة ضمن المجموعة.
حدّثينا أكثر عن بداية مسيرتك في بي أم أم آي
في ذاك الوقت كنتُ طالبة جامعية، وعرفتُ أن وزارة العمل والتنمية الاجتماعية أطلقت برنامجاً لتشجيع توظيف المواهب الوطنية (في مملكة البحرين). كان البرنامج يقوم بالربط ما بين الطلاب والطالبات وحديثي التخرّج بمختلف الشركات، لذلك شاركت في البرنامج وتلقيتُ اتصالاً بشأن أحد المناصب لدى بي أم أم آي. ذهبت للشركة لإجراء مقابلة، ولم يخطر في بالي أني سأحصل على الوظيفة! لكن بعد مضيّ أسبوعين، تلقيتُ مكالمة هاتفية أخرى لإجراء مقابلة عمل ثانية انتهت بأن عرضوا فيها عليّ توليّ الوظيفة! كان منصب العمل ابتدائياً، حيث عملت بصفة موظفة إدارية وعكفت على أداء الكثير من الأعمال الورقية مثل أرشفة وتوثيق المستندات، وإدخال المعلومات، والتعامل مع مختلف قواعد البيانات. مكثتُ في ذلك المنصب لنحو أربع سنوات قبل أن أحصل على ترقيتي الأولى، التي أعتبرها البداية الحقيقية لمسيرتي المهنية لدى مجموعة بي أم أم آي.
إلى أي قسم انتقلت بعد منصبك الأول؟
شخصياً أعتبر أن مسيرتي المهنية انطلقت حقاً عندما التحقت بالعمل في قسم الموارد البشرية. ولأكون صريحة معك: لقد أحببت ذاك العمل! ذلك أنه عندما تشرع في القيام بأمر جديد، وتتحدى نفسك: تبذل فيه كل ما في وسعك، ولهذا كنتُ متحمسة جداً لتولي ذلك المنصب. في البداية، توليت منصب "أخصائية موارد بشرية"، حيث أشرفت على عمليات التوظيف في مختلف أقسام الشركة بما فيها قسم السلع الاستهلاكية وقسم الخدمات اللوجستية. وخلال السنوات التسع التالية، انتقلتُ من مكتب لآخر داخل قسم الموارد البشرية حتى أصبحت مسؤولة التوظيف لمجموعة بي أم أم آي. والآن تغمرني السعادة والدهشة عندما أتأمل ما تمكنت من تحقيقه وأرى أشواط التقدم المهني التي قطعها الأشخاص الذين وظفتهم لصالح الشركة. ولا زلت حتى الآن أذكر إجراء أول مقابلة عمل كانت مع باسل المدني حيث سلمته خطاب "عرض العمل". واليوم أصبح الأستاذ باسل المدير العام لقسم المشروبات في المجموعة، وأنا أتذكر إجراء مقابلة العمل كلما أراه، ومن بين الأشخاص الرائعين الذين وظفتهم أيضاً: الأستاذ جعفر العصفور، الذي يشغل الآن منصب المدير العام لتجارة التجزئة وإنتاج المواد الغذائية، حيث يشرف على أسواق الأسرة، ووحدة المجموعة المعنية بإنتاج المواد الغذائية وغيرها. أذكر أيضاً أنني وظفت معظم أفراد فريق عملنا في المستودعات وقسم الخدمات اللوجستية. هذا ما يُشعرني بالفخر والاعتزاز، عندما أدرك دوري في تمهيد الطريق لكافة هؤلاء الأشخاص الرائعين وفتح الباب أمامهم للالتحاق بفريق العمل.
كيف تطورت مسيرتك المهنية بعد هذا المنصب؟
عندما أطلقت مجموعة بي أم أم آي قسماً جديداً اسمه "أنظمة الجودة"، شجعني جوردون بويل، الرئيس التنفيذي للمجموعة آنذاك، على الالتحاق به وحثني على تحدي نفسي بتجريب شيء جديد كلياً عليّ. وبتأمل هذا الآن، أجدني مُمتنة للغاية أنني فعلت ذلك، لأنه بكل صراحة أيضاً: أحببت ذلك العمل جداً جداً! عند التحاقي بذلك القسم توليت منصب "مدقق حسابات داخلي"، وهو عمل كان جديداً تماماً عليّ. ولأنها خطوة نحو عالم لم أستكشفه من قبل، تعلمتُ الكثير جداً وبدأت العمل على نفسي وجمعتُ شهادات الاعتماد من مختلف الهيئات والمعاهد والمنظمات. بعد مضيّ فترة من الزمن، حصلت على شهادات اعتماد وفق كافة المعايير الدولية التي تتبعها المجموعة، ومن ثم ترقيت وأصبحت رئيسة فريق مدققي الحسابات الداخلية لدى بي أم أم آي. والفضل في تطوّري المهني الكبير في هذا العمل يعود إلى أنني أخذت على نفسي عهد مواجهة التحديات الجديدة لا الركون إليها، لذلك عندما أتيحت أمامي فرصة أخرى بعد خمس سنوات قررت اغتنامها لأنني اكتشفت أنني أحب مشاعر الحماسة التي تأتي مع التغيير.
حيث أصبحت بحلول العام 2010 المساعدة التنفيذية للمدير المالي للمجموعة، ثم مسؤولة التدقيق الداخلي وإدارة المخاطر على مستوى المؤسسة، قبل أن أُرقّى لأصبح مسؤولة الحوكمة والمخاطر والالتزام عام 2016. عندما توليت المنصب الأخير، وجدتُ أخيراً مستقريّ. إذ تشمل قائمة مهامي في هذا المنصب الإشراف على عمليات التدقيق الداخلية وإدارة المخاطر والامتثال على مستوى مجلس الإدارة. في ظل هذا المنصب، أتلقى تقارير فرق العمل، وأتعاون مع جهات التدقيق الخارجية وأدعم نائب الرئيس التنفيذي والمدير المالي بالإبقاء على الأمور في مسارها الصحيح فيما يخص الحوكمة والمخاطر والالتزام والتأكد من أن كافة المهام تُنجز في وقتها المحدد لرفع التقارير عنها لمجلس الإدارة. أعتبر نفسي شغوفة بعملي هذا لأنه يتضمن الاشتراك في الكثير من الأمور على مستوى المجموعة، وحالياً أتعامل مع عدد كبير من الناس داخل وخارج الشركة مما يمنحني نظرة شاملة وكاملة على أعمالنا التجارية. كما يتيح لي منصبي ردّ الجميل للشركة التي عملت فيها طوال عقود من الزمن، وذلك بالحرص على إبقائها متوافقة مع أفضل الممارسات العالمية ومتوائمة مع أعلى المعايير الدولية في نشاطاتها وعملياتها التشغيلية.
أخذنا الآن نظرة وافية عن تطورك المهني، لكن ماذا عن تطورك الشخصيّ داخل الشركة؟
ما من شك أني حظيت بفرص عظيمة للتطور الشخصي أيضاً. ذلك أني لم أكن إلا طالبة جامعية لا يتجاوز عمرها العشرين، عندما انضممت للعمل لدى بي أم أم آي لأول مرة. في ذلك السنّ، لم أكن أتمتع بما يكفي من الثقة بالنفس، وكنت من ذلك الصنف من الناس الذين يتوارون عن الأضواء ويجلسون هادئين في ركنٍ ما. لكن الناس الذين يتعاملون معي الآن يدركون تماماً أن تلك الأيام ولّت بلا رجعة! بمناسبة الحديث عن التطور الشخصي، بودّي توجيه خالص التحية وجزيل الشكر لأولئك الأشخاص الذين دعموني لأصبح أقوى وأكثر ثقة والذين ساهموا بجعلي المرأة التي أكونها الآن. لقد تحديتُ نفسي مراراً، حيث صرتُ أقوى كل مرّة، وأصبح في إمكاني الآن التعامل مع أي شخص والتعاون معه أو العمل برفقته، بغض النظر عن خلفيته أو منصبه أو أقدميته في العمل أو جنسيته، حيث طوّرت هذه المهارات الضرورية إلى أقصى حد ممكن أثناء عملي في قسم الموارد البشرية. وعلى امتداد مسيرة تطوري الشخصي، اكتشفت عن نفسيّ أني صريحة ومباشرة للغاية، وأنني شخص يقدّر جداً الالتزام باللوائح التنظيمية والسياسات العامة والإجراءات الإدارية ويثمّن للغاية أداء المهام بصورة صحيحة. وهذه النقاط الأخيرة تعلمتها أثناء تجربتي في العمل لدى قسم "أنظمة الجودة".
ومن هنا بإمكاني القولُ إنني أدركتُ ذاتي وعرفتها تماماً. حيث مكنني العمل من اكتشاف أعماق ذاتي فوجدت نفسي امرأة واثقة جداً بنفسها وأنه بمقدوري التصديّ لأي تحدي أصادفه في طريقي. وبطبيعة الحال أنا أكثرُ نضجاً بكثير مما كنت عليه أول يوم لي في الشركة، هذه الشركة التي كبرتُ معها حرفياً!
لا شك أن العمل لدى إحدى الشركات لستٍّ وعشرين سنة يتطلب قدراً كبيراً من الالتزام. ما الذي حفّزك على البقاء في الشركة طوال هذه الفترة؟
هذا سؤال سهل جداً بالنسبة لي! إذ يكمن السبب في ثقافة بي أم أم آي المؤسساتية. ذلك أن بيئة عمل المجموعة تُشعرك بأنك في بيتك الثاني وأنك ضمن عائلتك. لهذا تؤدي عملك وأنت مطمئن ومرتاح يُحيط بك مجموعة من الأشخاص يرعونك وترعاهم. من ناحية أخرى، تتمتع المجموعة بفريق إداريّ ودود للغاية يَسهُل على كافة الموظفين أياً كان مستواهم الوصول إليه والتواصل معه. هذا ما يعزز شعور الانتماء والولاء لدى الموظفين، أياً كان مستواهم أو مسماهم الوظيفي.
ومن بين الركائز التي تقوم عليها ثقافة بي أم أم آي المؤسساتية: الإنصاف. حيث تأخذ المجموعة هذه القيمة على محمل الجدّ. بهذا الصدد، أعتبر أننا موظفون محظوظون لأن لدينا فريقاً إدارياً يبذل ما في وسعه للعناية بموظفيه بصورة لا تغفل أحداً ولا تتجاهل فئة. حيث لا يدخر فريق الإدارة جهداً في تسوية أي قضية تنشأ: سواء أكانت تعويضاً أو مزايا في العمل أو فرصة للتدريب والتطوير، بصورة تجعل الموظفين أياً كان مستواهم يشعرون بالاهتمام والإنصاف. لا يغفل فريق الإدارة أحداً، كما أنه لا يعامل الموظفين على أساس الهوية أو المنصب، إذ يشمل الفريق برعايته كافة أفراد العمل من موظفي المستوى الابتدائي إلى أرفع منصب في الإدارة. ولأنني امرأة استهلت عملها من المستوى الابتدائي وترقت شيئاً فشيئاً حتى أصبحت في الإدارة، يحقّ لي تأكيد هذه الحقيقة، أي عناية الإدارة بالجميع، حيث لمستها بنفسي طوال مسيرتي المهنية.
وإلا فمن دعمني إذاً طيلة السنوات الطويلة الماضية؟ لقد عملت في الشركة طيلة سنوات تعاقب خلالها أربع رؤساء تنفيذيين، ومع أن كلّ رئيس تنفيذي يتمتع بأسلوب خاص في الإدارة، إلا أن جميعهم منحوني كلّ الدعم والتشجيع. وما وصلتُ إليه الآن يعود الفضل فيه إلى دعم عدد كبير من الأشخاص الذين رافقوا مسيرتي المهنية، وإنني لفخورة جداً بالعمل مع هذه الفرق ذات المستوى الراقي، وتحت قيادة مدراء ومشرفين من طراز فريد. طبيعيٌ أن طريق النجاح لا محطة نهائية فيه، إذ هناك دائماً فسحة للتحسين أكثر، وهناك دائماً شيء جديد ينبغي تعلمه، ومن أبرز ما يميز فريق الإدارة هو تحفيزهم لك على إطلاق العنان لكامل إمكانياتك. وخلال عملي مع نائب الرئيس التنفيذي والمدير المالي، عمار عقيل الحسن، اكتشفت أنه أحد أولئك المدراء الذين لا يكفون أبداً عن حثّ الجميع على التعلم والعطاء. إنه مدير رائع لا يتوانى أبداً عن دعم موظفيه بشكل مباشر أو غير مباشر، وخلق بيئة تتيح تطورهم لما هو أفضل.
هذه هي الأمور التي جعلتني أتشبث بالعمل لدى الشركة طيلة الستة والعشرين عاماً الماضية. لقد تطورت كثيراً جداً على كلا الصعيدين المهني والشخصي، ولا يخطر لي أبداً أن أفرط في بيئة عمل كهذه! وكما قال هنري فورد ذات مرة "لَمّ الشمل بداية، والبقاءُ معاً تَقدمٌ، لكن العمل معاً هو النجاح الحقيقيّ".